استضافت جامعة البترا أعمال المؤتمر الاقتصادي الحادي عشر بعنوان "الدَّيْن العالمي وإعادة هيكلة السياسات المالية"، بمشاركة عدد من المسؤولين والخبراء والباحثين.
ويُشكّل المؤتمر، الذي تنظمه الجمعية الأردنية للبحث العلمي والريادة والإبداع بالتعاون مع جامعة البترا، منصة فكرية لإنتاج حلول عملية تجمع بين البحث العلمي والتطبيق العملي، بهدف ربط مخرجات الدراسات بمراكز صنع القرار، وتعزيز قدرة الاقتصاد على مواجهة التحديات.
وقال رئيس الوزراء الأسبق، المستشار الأعلى لجامعة البترا ورئيس مجلس أمنائها، الدكتور عدنان بدران، إن العالم يعيش في تقاطع استثنائي وحرج على الصعيد الاقتصادي، مؤكداً أن النمو الاقتصادي يحتاج إلى ضخ موارد مالية لتحديث الاقتصاد وبناء قطاعات جديدة تلبي احتياجات المجتمعات الحالية والمستقبلية. وأشار إلى أن الدَّيْن العالمي بلغ مستويات قياسية، حيث وصل إلى 303 تريليونات دولار عام 2024، أي ما يعادل 348% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ما يشكّل تحديًا وجوديًا للاستقرار المالي ويهدد النمو الاقتصادي.
وأوضح بدران أن ارتفاع الديون الخارجية يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة معدلات البطالة والفقر، خصوصًا في البلدان النامية، كما أن أزمة الديون السيادية تتسبب في تضييق الموازنات الاجتماعية، بما يؤثر على الفئات الأضعف ويعوق قدرة الدول على الاستثمار في البنية التحتية وقطاعات التعليم والصحة.
ودعا إلى إعادة هيكلة السياسات المالية العالمية من خلال خمسة محاور رئيسة، أبرزها: إصلاح هيكلة إدارة الديون عبر إنشاء آليات ملزمة تحت إشراف الأمم المتحدة، وربط سداد الديون بالقدرة المالية للدول، وضمان إدراج أحداث الكوارث الطبيعية والأزمات العالمية في الاتفاقيات المالية.
وشدد على أهمية تعزيز الشفافية والمساءلة في استخدام القروض، وإجراء دراسات جدوى اقتصادية واجتماعية قبل أي قرض لضمان مردود فعلي. كما أشار إلى ضرورة إصلاح المنظومة الضريبية العالمية لمكافحة التهرب الضريبي وتعزيز الإيرادات بشكل مستدام، مع وضع حد أدنى عالمي للضرائب على الشركات وتعزيز التعاون الدولي، مؤكداً أن هذه الخطوات الحيوية ضرورية لتحقيق استقرار مالي عالمي وحماية النمو الاقتصادي والأمن الاجتماعي في مواجهة تحديات العصر الحديث.
من جهته، قال رئيس المؤتمر، رئيس الجمعية الأردنية للبحث العلمي والريادة والإبداع، الدكتور رضا الخوالدة، إننا في الجمعية ننظر إلى معالجة ملف الدَّيْن العالمي بمنظور أشمل من كونه مجرد أرقام ونسب مئوية. وأكد أن المطلوب مقاربة متكاملة تتضمن إصلاحًا ماليًا هيكليًا يركز على رفع كفاءة الإنفاق العام، لا مجرد تقليصه، وتنويع القاعدة الإنتاجية من خلال دعم القطاعات التصديرية ذات القيمة المضافة العالية، واعتماد أدوات تمويل مبتكرة مثل السندات التنموية الموجهة لمشاريع تحقق أثرًا اقتصاديًا واجتماعيًا ملموسًا، أو مقايضة الدين بالتعليم أو الصحة بحيث يُشطب جزء من الدين مقابل تنفيذ برامج وطنية نوعية.
ودعا إلى إصدار الصكوك السيادية الخضراء لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة وتحلية المياه، مشيرًا إلى أحد المحاور التي لا تقل أهمية، وهو تعزيز الشفافية من خلال نشر بيانات واضحة ودورية عن حجم الدين وهيكله وخطط إدارته، بما يعزز ثقة المواطن والمستثمر على حد سواء.
وأكد الخوالدة أنه لا يمكن لأي دولة أن تدير دينها بكفاءة من دون قاعدة معرفية متينة، وهنا يبرز دور البحث العلمي والجامعات كمحرك رئيس لتقديم حلول عملية قائمة على الأدلة، سواء عبر بناء نماذج محاكاة اقتصادية تتنبأ بتأثير السياسات المختلفة على الدين والنمو، أو من خلال إعداد دراسات قطاعية تحدد أولويات الاستثمار ومجالات الإصلاح الأكثر جدوى، أو حتى عبر تطوير أدوات مالية جديدة تناسب السياق المحلي والإقليمي.
وبين أن إدارة الدَّيْن في هذا العصر لم تعد شأنًا داخليًا بحتًا، بل أصبحت تتطلب شراكات دولية واسعة، سواء مع المؤسسات المالية العالمية لتصميم حلول تتلاءم مع خصوصية كل دولة، أو من خلال التعاون الإقليمي لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات، أو عبر الاستثمار المشترك في مشروعات كبرى للبنية التحتية والطاقة تعود بالنفع على جميع الأطراف.
وأضاف أن انعقاد هذا المؤتمر يمثل دعوة صريحة لفتح حوار شفاف بين الأكاديميين وصنّاع القرار والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لإعادة التفكير في كيفية تحويل الدين من عبء يثقل كاهل الاقتصاد إلى أداة تدعم الابتكار والتنمية. وشدد على ضرورة التركيز على الحلول القابلة للتطبيق، لأن الأزمات لا تُحل بالأرقام وحدها، وإنما تُحل بالإرادة والرؤية والعمل المشترك، لافتًا إلى أن توصيات المؤتمر يمكن أن تشكّل خارطة طريق، ليس فقط للأردن، بل كنموذج يُستفاد منه في دول أخرى تواجه تحديات مشابهة.
بدوره، أكد رئيس جامعة البترا، الدكتور رامي عبد الرحيم، أهمية بحث التحديات الاقتصادية الراهنة، في ظل تجاوز الدين العالمي العام والخاص مئات التريليونات من الدولارات نتيجة التوسع في الإنفاق والسياسات النقدية التيسيرية وتباطؤ النمو، ما يستدعي إعادة هيكلة السياسات المالية لضمان الاستقرار والنمو المستدام.
وأوضح أن الجامعة، التي تخلو من أي مديونية، حققت إنجازات أكاديمية وبحثية بارزة، أبرزها دخولها تصنيف (QS) العالمي (1400–1201) وخمس نجوم في التصنيف ذاته، والتقدم في تصنيفي سيماجو وTimes Impact، ونشر 520 بحثًا خلال عام 2024. كما سجلت ست براءات اختراع، وأطلقت شركة ناشئة، وحصدت 61 عملًا إبداعيًا، وبرز باحثان ضمن أفضل 2% عالميًا.
وأشار إلى تنظيم مؤتمر الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع (IEEE) ودمج تطبيقاته في التخصصات، وحصول الجامعة على اعتمادات أكاديمية دولية مرموقة، ونيل كلية الحقوق الاعتماد الفرنسي، لتكون أول جامعة أردنية تحصل على شهادة ضمان الجودة الأردنية.
وبيّن رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر، الدكتور سامر الرجوب، أن الدين العالمي وصل إلى مستويات قياسية، مشيرًا إلى أهمية إعادة هيكلة السياسات المالية لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة.
وأشار إلى أن الدين العالمي بلغ نحو 312 تريليون دولار أمريكي، أي ما يعادل 337% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبما يفوق بكثير مستويات ما قبل الأزمة المالية العالمية عام 2008، لافتًا إلى أن الدول المتقدمة تتحمل النصيب الأكبر من الدين لكنها تتمتع بهوامش مناورة واسعة، بينما تواجه الاقتصادات الناشئة والنامية مخاطر أعلى بسبب ارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي.
وبخصوص الأردن، أوضح الرجوب أن إدارة الدين السيادي بنجاح تتطلب استراتيجية واضحة لإعادة الهيكلة، وتنمية الصادرات، وبناء احتياطيات نقدية، والموازنة بين تكلفة الدين ومخاطره.
وأضاف أن الأردن يمكنه الاستفادة من أدوات مالية مبتكرة مثل مقايضة الدين بالمناخ، والسندات المرتبطة بالناتج المحلي، والسندات الخضراء والاجتماعية، لتخفيف الأعباء وتحفيز النمو الاقتصادي المستدام.
ويتضمن المؤتمر ثلاث جلسات رئيسة: تبحث الأولى أسباب تفاقم الديون العالمية وأثرها على الأمن الاقتصادي، فيما تناقش الثانية آليات إعادة الهيكلة وأهمية الحوكمة الرشيدة، وتتناول الثالثة العدالة الاقتصادية والنمو المستدام.
وألقى وزير الدولة للشؤون الاقتصادية الأسبق، الدكتور يوسف منصور، الكلمة الرئيسة للمؤتمر، مستعرضًا تحديات الدين العام في الأردن وعلاقته بالاستقرار المالي والنقدي.
ويشارك في الجلسات نخبة من الأكاديميين والخبراء، من بينهم: الدكتور عدلي قندح، وخلود السقاف، والدكتور رعد التل، والدكتور موسى شتيوي، والدكتور عبد الباسط العثامنة.























